ضوابط التكفير، بين التأصيل والتنزيل

تُعد نازلة الغلو في التكفير من أخطر النوازل التي يواجهها المسلمون في العصر الحاضر. وذلك للآثار المترتبة على التكفير من الإضرار بالمصالح الضرورية للخلق، وهي المصالح التي أحاطتها الشريعة بالعناية البالغة، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وقد كفل الإسلام في أحكامه وتعاليمه حرية الاعتقاد، فمن اختار الإسلام ديناً بمحض إرادته، فهو مستحق لهذا الوصف، له ماللمسلمين، وعليه ما عليهم، ولذا نُهي عن رميه بالكفر، حملاً لحال المسلم على الصلاح، ولأن من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول عنه وصف الإسلام إلا بيقين. لقد ابتلي المسلمون في هذا العصر بجماعات تُطلق أحكام التكفير دون مراعاة لشروط أو ضوابط أو موانع. وقد كان الحكم بالكفر منذ الصدر الأول في الإسلام، ولكنه في إطار ضيق جداً، أما ظاهرة التكفير فقد وُلدت مع الخوارج. فأصبحت بذلك ظاهرة خطيرة، تهدد المجتمع والأمة. وقد انقسمت الآراء في قضية التكفير بين إفراط وتفريط، فمنهم من ينفي قضية الكفر تماماً، ومنهم من تساهل في إطلاق هذا الحكم دون مراعاة للقواعد والضوابط التي وضعها الفقهاء. تهدف هذه الدراسة إلى بيان ماهية التكفير، وتحديد الضوابط التي اتفق عليها الفقهاء في إطلاق حكم الكفر، وتنزيلها عند بعض الغلاة، وقد مثَّل الباحث لذلك في بعض الجماعات في سوريا، لأنها المثال الحي الذي أصبح أرضاً خصبة لأدبيات وفتاوى الغلاة في التسع سنوات الأخيرة. ولتحقيق هدف الدراسة، سيسير الباحث على المنهج الوصفي التحليلي، واستقراء النصوص الفقهية التي تؤصل لهذه لضوابط. ومن النتائج التي توصل إليها البحث أن تكفير المسلم من أخطر الظواهر التي نتج عنها استباحة الدماء والأموال والأعراض. التكفير حكم شرعي، ولابد في الأحكام الشرعية من اتباع مسلك العلماء في الاستنباط، وعدم الوقوف على ظواهر النصوص واجتزائها. ومن النتائج أيضاً أن تكفير الأشخاص من مسؤولية الإفتاء والقضاء، ولا يترك الخوض فيه لعامة الناس وطلبة العلم المبتدئين، أو أنصاف المتعلمين، ممن ليسوا من أهل الاجتهاد والفتوى، ولا ورع عندهم عن إطلاق أحكام التكفير.    الكلمات المفتاحية: التكفير- الغلو- ضوابط