أثر العفو على جرائم الحدود في الفقه الإسلامي

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام وأرسل إلينا خير الأنام، وأصلي وأسلم على النبي الأمين الذي أرسله الله بالحق المبين محمد المرسل رحمة للعالمين ورضي الله عن آله الأطهار وصحابته الأخيار ومن اتبعهم إلى يوم الدين. أما بعد. فإن الإسلام أولى الشريعة وحدودها اهتماماً كبيراً، ووضع الأحكام وقواعدها، يستنبط منها المسلمون أحكام معاملاتهم وأفعالهم في كل زمان ومكان، وإن أحوال الناس وأعرافهم تتبدل من زمان لآخر، لكن أصول الشريعة لا تتغير فهي صالحة لكل زمان ومكان، إلا أن استنباط الأحكام من تلك الأصول قد يختلف من عصر إلى عصر مكان إلى مكان تبعاً لتفاوت الاجتهاد، فنرى الفقهاء تتنوع أحكامهم فيما لا نص فيه ؛ أما ما وجد فيه نص صريح قطعي الدلالة فحينئذ لا اجتهاد في مورد النص، وهذا ما سار عليه المسلمون من عهد رسول اللہ صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم « إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر »(1)، فنرى الشارع لم يجعل الأجر للمجتهد المصيب فحسب بل ضاعف له الأجر لأجل أن يجعل لمن يخطئ في الاجتهاد أجرا كاملا. فالدراسات والبحوث في مجال الشريعة الإسلامية مهمة وحيوية، لأنها تحقق مصالح العباد مـن خـلال استيعاب الفقه الإسلامي، وبيان الأحكام الشرعية مشفوعة بأدلتها الموضحة لحكم الله في معايش الناس وحياتهم، فالعفو من الأحكام الشرعية، ودراسـته هـي فـهـم واستيعاب حكم الله، لأنه مفهوم كلي من مفاهيم الشريعة الإسلامية التي وضحها القرآن الكريم والسنة النبوية، وخاصة العفو. لذا تم تحديد نطاق البحث على المعاني التي يتضمنها معنى العفو في الشريعة وتأثيره على أحكام الجنايات وبالأخص جرائم الحدود. فقد خص البحث مفهوم العفو والألفاظ الدالة عليه، ودلالاته في القرآن الكريم، مبينا أثر العفو على عقوبة الحدود وأحكامها، وكيفية تحديدها وأنواعها.