{"title":"女性头发中的死亡和不朽","authors":"مروه عبد الباسط حميد, منذر رديف داود","doi":"10.56961/mejhss.v2i3.263","DOIUrl":null,"url":null,"abstract":"الإنسان ابن البيئة التي يولد و يعيش فيها، فالعرب عاشوا بالنظام القبلي، و القبيلة عندهم تتألف من ثلاث طبقات هم: أبناؤها و العبيد و الموالي، يحكمهم قانون اجتماعي واحد يتلخص بكلمة \"المروءة\"، و يتمتع هذا المجتمع بصفات كثيرة منها فصاحة اللسان وجسارة القلب والعزة والإباء و الشجاعة . في هذا المجتمع نشأت الشاعرة الخنساء، التي سُميت تماضر، و انتسب إلى سُراة سُليم، لكنها اشتهرت بلقبها الخنساء أكثر من اسمها، عُرفت بالشعر و الجمال الأخاذ، فكانت شاعرة قوية حرة بالإضافة لجمالها الرائع، إلا أن الشعراء لم يتجرؤوا على التغزل بها، لما تتمتع به من منزلة رفيعة في قومها فأبوها كان من سادة القوم . و يعتبر مقتل كلّ من أخويها معاوية ثم تلاه صخر بداية نشأتها الشعرية لما كان يتمتع به صخر من صفات بارزة، فأكثرت من قول الشعر فيه، فلم يكن هناك امرأة أشعر منها. فالنابغة الذبياني كان من أشد المعجبين بشعرها ، و نافست الشعراء الفحول كأمثال حسان بن ثابت . كان الرثاء هو الغرض الأبرز الذي خاضت به الخنساء في شعرها و يمر رثاؤها بمراحل ثلاث: البكاء و العويل ثم الثناء على الميت ثم العزاء و حتمية الأقدار. كما كان لزوجها نصيب من مراثيها في قصيدة لا تعدّ من أجودهم، و لا يظهر حزنها المرير عليه، ربما لأنها لم تكن زوجته الوحيدة، و ربما لأنها كانت في بدايتها و لمّا تصل إلى قمة الشاعرية، و مع فقد أخويها معاوية ثم صخر تغيرت نظرتها للموت فأدركت أنه المصير الذي لا مفر منه، و رغم تلاحق المصائب عليها إلا أن أعظمها تأثيرا في نفسها هو موت أخيها صخر، فظلت تندبه أربعين عاما. و مع دخولها الإسلام تسرب النفَس الإسلامي إلى شعرها و قد فهمت فلسفة الموت، و عودة النفْس إلى بارئها، فتبدل حزنها على أهلها، فلم يعد بسبب الفقد بل لأنهم لم يتزودوا بزاد الآخرة، و حلت النظرة التأملية بدل النظرة السوداوية في شعرها، و حوّلت تدبرها و تأملها بحقيقة الموت إلى قصائد تضعنا أمام شخصية الشاعرة ذاتها بأحاسيسها و مشاعرها ، فتجربتها الشعرية لم تكن وليدة المواقف بل كانت نتيجة صراع طويل مع الألم و القلق، تصبّه بقوالبها الشعرية فالشاعر الحقّ يتمتع بذاكرة تحتفظ بأدق الملاحظات، فتعمل على إعادة خلق التجربة، لتعيد صياغة الأفكار و العواطف المختزنة و تقدم للمتلقي حضوره الفعلي و الذهني . و قد عاشت الخنساء الحالة الشعورية فتأججت مشاعر عارمة في نفسها، لتنفثها في شعرها فيحدث ذلك أثراً عظيما في نفس السامع ، و هذا الأثر الذي يُترك في المتلقي تُقاس شاعرية الشاعر، فيدخل المتلقي بعملية الإبداع بطريقين، الأول دفع المبدع للنظم و تذوق شعره، و الثاني فك مغالق النص و فهمه العميق.","PeriodicalId":344534,"journal":{"name":"مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية","volume":"1 1","pages":"0"},"PeriodicalIF":0.0000,"publicationDate":"2022-09-03","publicationTypes":"Journal Article","fieldsOfStudy":null,"isOpenAccess":false,"openAccessPdf":"","citationCount":"0","resultStr":"{\"title\":\"الموت والخلود في شعر الخنساء\",\"authors\":\"مروه عبد الباسط حميد, منذر رديف داود\",\"doi\":\"10.56961/mejhss.v2i3.263\",\"DOIUrl\":null,\"url\":null,\"abstract\":\"الإنسان ابن البيئة التي يولد و يعيش فيها، فالعرب عاشوا بالنظام القبلي، و القبيلة عندهم تتألف من ثلاث طبقات هم: أبناؤها و العبيد و الموالي، يحكمهم قانون اجتماعي واحد يتلخص بكلمة \\\"المروءة\\\"، و يتمتع هذا المجتمع بصفات كثيرة منها فصاحة اللسان وجسارة القلب والعزة والإباء و الشجاعة . في هذا المجتمع نشأت الشاعرة الخنساء، التي سُميت تماضر، و انتسب إلى سُراة سُليم، لكنها اشتهرت بلقبها الخنساء أكثر من اسمها، عُرفت بالشعر و الجمال الأخاذ، فكانت شاعرة قوية حرة بالإضافة لجمالها الرائع، إلا أن الشعراء لم يتجرؤوا على التغزل بها، لما تتمتع به من منزلة رفيعة في قومها فأبوها كان من سادة القوم . و يعتبر مقتل كلّ من أخويها معاوية ثم تلاه صخر بداية نشأتها الشعرية لما كان يتمتع به صخر من صفات بارزة، فأكثرت من قول الشعر فيه، فلم يكن هناك امرأة أشعر منها. فالنابغة الذبياني كان من أشد المعجبين بشعرها ، و نافست الشعراء الفحول كأمثال حسان بن ثابت . كان الرثاء هو الغرض الأبرز الذي خاضت به الخنساء في شعرها و يمر رثاؤها بمراحل ثلاث: البكاء و العويل ثم الثناء على الميت ثم العزاء و حتمية الأقدار. كما كان لزوجها نصيب من مراثيها في قصيدة لا تعدّ من أجودهم، و لا يظهر حزنها المرير عليه، ربما لأنها لم تكن زوجته الوحيدة، و ربما لأنها كانت في بدايتها و لمّا تصل إلى قمة الشاعرية، و مع فقد أخويها معاوية ثم صخر تغيرت نظرتها للموت فأدركت أنه المصير الذي لا مفر منه، و رغم تلاحق المصائب عليها إلا أن أعظمها تأثيرا في نفسها هو موت أخيها صخر، فظلت تندبه أربعين عاما. و مع دخولها الإسلام تسرب النفَس الإسلامي إلى شعرها و قد فهمت فلسفة الموت، و عودة النفْس إلى بارئها، فتبدل حزنها على أهلها، فلم يعد بسبب الفقد بل لأنهم لم يتزودوا بزاد الآخرة، و حلت النظرة التأملية بدل النظرة السوداوية في شعرها، و حوّلت تدبرها و تأملها بحقيقة الموت إلى قصائد تضعنا أمام شخصية الشاعرة ذاتها بأحاسيسها و مشاعرها ، فتجربتها الشعرية لم تكن وليدة المواقف بل كانت نتيجة صراع طويل مع الألم و القلق، تصبّه بقوالبها الشعرية فالشاعر الحقّ يتمتع بذاكرة تحتفظ بأدق الملاحظات، فتعمل على إعادة خلق التجربة، لتعيد صياغة الأفكار و العواطف المختزنة و تقدم للمتلقي حضوره الفعلي و الذهني . و قد عاشت الخنساء الحالة الشعورية فتأججت مشاعر عارمة في نفسها، لتنفثها في شعرها فيحدث ذلك أثراً عظيما في نفس السامع ، و هذا الأثر الذي يُترك في المتلقي تُقاس شاعرية الشاعر، فيدخل المتلقي بعملية الإبداع بطريقين، الأول دفع المبدع للنظم و تذوق شعره، و الثاني فك مغالق النص و فهمه العميق.\",\"PeriodicalId\":344534,\"journal\":{\"name\":\"مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية\",\"volume\":\"1 1\",\"pages\":\"0\"},\"PeriodicalIF\":0.0000,\"publicationDate\":\"2022-09-03\",\"publicationTypes\":\"Journal Article\",\"fieldsOfStudy\":null,\"isOpenAccess\":false,\"openAccessPdf\":\"\",\"citationCount\":\"0\",\"resultStr\":null,\"platform\":\"Semanticscholar\",\"paperid\":null,\"PeriodicalName\":\"مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية\",\"FirstCategoryId\":\"1085\",\"ListUrlMain\":\"https://doi.org/10.56961/mejhss.v2i3.263\",\"RegionNum\":0,\"RegionCategory\":null,\"ArticlePicture\":[],\"TitleCN\":null,\"AbstractTextCN\":null,\"PMCID\":null,\"EPubDate\":\"\",\"PubModel\":\"\",\"JCR\":\"\",\"JCRName\":\"\",\"Score\":null,\"Total\":0}","platform":"Semanticscholar","paperid":null,"PeriodicalName":"مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية","FirstCategoryId":"1085","ListUrlMain":"https://doi.org/10.56961/mejhss.v2i3.263","RegionNum":0,"RegionCategory":null,"ArticlePicture":[],"TitleCN":null,"AbstractTextCN":null,"PMCID":null,"EPubDate":"","PubModel":"","JCR":"","JCRName":"","Score":null,"Total":0}
الإنسان ابن البيئة التي يولد و يعيش فيها، فالعرب عاشوا بالنظام القبلي، و القبيلة عندهم تتألف من ثلاث طبقات هم: أبناؤها و العبيد و الموالي، يحكمهم قانون اجتماعي واحد يتلخص بكلمة "المروءة"، و يتمتع هذا المجتمع بصفات كثيرة منها فصاحة اللسان وجسارة القلب والعزة والإباء و الشجاعة . في هذا المجتمع نشأت الشاعرة الخنساء، التي سُميت تماضر، و انتسب إلى سُراة سُليم، لكنها اشتهرت بلقبها الخنساء أكثر من اسمها، عُرفت بالشعر و الجمال الأخاذ، فكانت شاعرة قوية حرة بالإضافة لجمالها الرائع، إلا أن الشعراء لم يتجرؤوا على التغزل بها، لما تتمتع به من منزلة رفيعة في قومها فأبوها كان من سادة القوم . و يعتبر مقتل كلّ من أخويها معاوية ثم تلاه صخر بداية نشأتها الشعرية لما كان يتمتع به صخر من صفات بارزة، فأكثرت من قول الشعر فيه، فلم يكن هناك امرأة أشعر منها. فالنابغة الذبياني كان من أشد المعجبين بشعرها ، و نافست الشعراء الفحول كأمثال حسان بن ثابت . كان الرثاء هو الغرض الأبرز الذي خاضت به الخنساء في شعرها و يمر رثاؤها بمراحل ثلاث: البكاء و العويل ثم الثناء على الميت ثم العزاء و حتمية الأقدار. كما كان لزوجها نصيب من مراثيها في قصيدة لا تعدّ من أجودهم، و لا يظهر حزنها المرير عليه، ربما لأنها لم تكن زوجته الوحيدة، و ربما لأنها كانت في بدايتها و لمّا تصل إلى قمة الشاعرية، و مع فقد أخويها معاوية ثم صخر تغيرت نظرتها للموت فأدركت أنه المصير الذي لا مفر منه، و رغم تلاحق المصائب عليها إلا أن أعظمها تأثيرا في نفسها هو موت أخيها صخر، فظلت تندبه أربعين عاما. و مع دخولها الإسلام تسرب النفَس الإسلامي إلى شعرها و قد فهمت فلسفة الموت، و عودة النفْس إلى بارئها، فتبدل حزنها على أهلها، فلم يعد بسبب الفقد بل لأنهم لم يتزودوا بزاد الآخرة، و حلت النظرة التأملية بدل النظرة السوداوية في شعرها، و حوّلت تدبرها و تأملها بحقيقة الموت إلى قصائد تضعنا أمام شخصية الشاعرة ذاتها بأحاسيسها و مشاعرها ، فتجربتها الشعرية لم تكن وليدة المواقف بل كانت نتيجة صراع طويل مع الألم و القلق، تصبّه بقوالبها الشعرية فالشاعر الحقّ يتمتع بذاكرة تحتفظ بأدق الملاحظات، فتعمل على إعادة خلق التجربة، لتعيد صياغة الأفكار و العواطف المختزنة و تقدم للمتلقي حضوره الفعلي و الذهني . و قد عاشت الخنساء الحالة الشعورية فتأججت مشاعر عارمة في نفسها، لتنفثها في شعرها فيحدث ذلك أثراً عظيما في نفس السامع ، و هذا الأثر الذي يُترك في المتلقي تُقاس شاعرية الشاعر، فيدخل المتلقي بعملية الإبداع بطريقين، الأول دفع المبدع للنظم و تذوق شعره، و الثاني فك مغالق النص و فهمه العميق.